دور الآباء في التربية

على عكس الحال الذي نعتقده وسائد في مجتمعنا من أن التربية هي مسؤولية الأم فقط ، فإن للأب في الإسلام دور محوري وأساسي في التربية في جميع المراحل منذ اختيار الزوجة (أم ولده في المستقبل ) واختيار إسم المولود وإجراء مراسيم الولادة إلى مراحل التربية حتى عمر ٢١ .

وتختص المرحلة الأولى فقط ( مرحلة الرضاع والحضانة والرعاية ) بمسؤولية الأم أكثر من الحمل إلى النفاس والرضاع والحضانة والرعاية والتي تتمثل في الرضاعة والغذاء والنظافة واللباس وتعليم الأكل والمشي والكلام في الثلاث سنوات الأولى .

وهذه لاتسمى تربية بقدر كونها رعاية وحضانة ودور الأب هنا هو توفير مستلزمات الأم والوليد(( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ،،،،، البقرة ٢٣٣) والملاعبة مع الطفل ومساعدة الأم إذا احتاجت ، أما شؤون الطفل الخاصة فأمه أعلم وأولى بها هنا من الأب فقد ركب الله فيها تلك الطاقة من الحب والحنان والتحمل والصبر على السهر وأعباء الاطعام والتنظيف وغيرها .
فلا تقل المرأة لماذا لايقوم الرجل معي بهذه الأمور ؟!! فهرمون الأمومة عندك هو الموجه لهذه المرحلة وماتتطلبه أكثر من الأب .
لكن ظروف العصر اختلفت مع خروج المرأة للعمل خارج المنزل وأدى ذلك لإلقاء هذه المهام من الحضانة والرعاية على الخدم ودور الحضانة والأب أحياناً والجدات أو الأهل.

ونجد أينما ذُكرت الأم ومنزلتها وقداستها وبرها في القرآن والروايات ذُكر معها تلك المرحلة والأعمال، من الحمل والرضاع والمشقة والتعب والوهن والحضانة ، وإذا وصل الخطاب للأمر بالبر والإحسان والتربية ذُكر الوالدين معاً وذُكر مثال الآباء المربين كما سنرى،فتأمل .

قال تعالى :

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)لقمان

۞ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ،،،،، ٢٣٣ البقرة

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا الأحقاف ١٥

وتأملوا للفرق في وصف الإمام السجاد ع لدور الأم ودور الأب وسبب برهما قال ( وأما حق أمك: فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها وإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه)

(وأما حق أبيك: فأن تعلم أنه أصلك وأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله)

وعندما يصل الكلام لحقوق الأبناء واختيار الأم ( الزوجة) وتسمية المولود ومراسم الولادة وتربيتهم وتعليمهم وتأديبهم وضربهم والمسؤولية وتزويجهم نجد الخطاب يوجه للأب في كل ذلك .

بل إذا استعرضنا نماذج الآباء و الوصايا التربوية المذكورة في القرآن وسيرة أهل البيت نجدها دائما عن الأب ماعدا نموذج أم موسى وأم عيسى عليهما السلام .
فنجد نموذج ابراهيم واسماعيل ، ويعقوب ويوسف وأخوته ،ونوح وولده ،وزكريا ويحيى، ولقمان وولده ( تعرضت لذلك في دورة آباء وأبناء في القرآن ) على مدى ٣ سنوات

وهي للأسف من المواضيع التي لانجدها تذكر في مآتم وخطاب الرجال .

بينما ضُرب المثل للمرأة في أدوار أخرى متعددة غير دور التربية والأمومة ( تفصيل ذلك في محاضرتي المرأة في القرآن ) فتأمل.

ولنأتي لبعض الشواهد الروائية على ذلك وهي مشهورة وأكثر من أن تُحصى :

يقول الإمام السجاد (ع)
(وأما حق ولدك: فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه)

قال علي (ع): ” وحق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن “.

الإمام الصادق (عليه السلام) (تجب للولد على والده، ثلاث خصال : اختيار والدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه)

الإمام علي (خير ما ورّث الآباءُ الأبناء الأدبَ)

الإمام الصادق(إنَّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى ..)

يقول صادق أهل البيت ع : (أدّبني أبي بثلاث .. قال لي : يا بنيَّ من يصحب صاحب السّوء لا يسلم ، ومن لا يقيّد ألفاظه يندم ، ومن يدخل مداخل السّوء يتّهم)

قول الإمام علي: (أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصّلاة والطّهور ، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً)

وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن: (.. أبتدأتك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله ، وشرائع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره)

قول الرسول الأكرم: (من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ)

قال: (حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة ، والسّباحة ، والرّماية ، وأن لا يرزقه إلاّ طيّباً)

قال جعفر الصادق ع: (قال والدي: والله إنّي لأصانع بعض ولدي ، وأجلسه على فخذي ، وأُكثر له المحبّة ، وأكثر له الشّكر ، وإنّ الحقّ لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره ، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته ..)
(إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك)
(اعدلوا بين أولادكم في النُّحْلِ ـ أي العطاء ـ كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف)

ولا يحتاج أن أذكركم بدور آباء العلماء الأجلاء وبصماتهم في شخصياتهم ومسيرتهم العلمية إلى جانب دور أمهاتهم كما تدل على ذلك سيرة العديد منهم مما لايسعنا المقام لذكره هنا تجنباً للإطالة.

والخلاصة ماذا نريد ؟

هل نريد القول أن تنفض الأم يدها من التربية وتقتصر على دور وعاء الحمل والرعاية وحسن التبعل والتجمل ؟

لا بالطبع
الهدف كل الهدف أننا يجب :

أولاً/ أن نهتم بتوجيه الخطاب والثقافة التربوية بشكل واسع وجدي في محضر ومجالس ومآتم الرجال، فلايقول قائلهم للأم أذهبي انت واقرأي وتدربي في التربية وأنا لا حاجة لي في ذلك .

ثانيا / نعيد الإعتبار لدور الأب الرئيسي وقيادته في التربية والتهذيب والإرشاد وإكرامه واحترامه ولايكون مجرد وعاء مالي للنفقة كما نركز دائماً .
رحم الله اباءنا كانت لهم سلطة وهيبة وأثر تربوي لايزول في أنفسنا وشخصياتنا رغم صعوبة كدهم وكدحهم.

ثالثا/ المشاركة بين الأم والأب في هذه المسؤولية وعدم إلقاءها على الأم فقط .

فإن قلتم ان الأب يعمل ويكدح ولا وقت لديه لذلك ، قلنا أوليس الأم أيضاً كذلك وتعمل داخل وخارج المنزل أحيانا ؟

إن التربية والجلسة التربوية مع الأبناء وإرشادهم لأمور دينهم ودنياهم وتعليمهم وتهذيبهم واجب مقدس على الآباء والأمهات بشكل مشترك تماماً ، بل هو أساس برهما ( كما جاء في الحديث رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما )

وإن قلتم أن مصطلح الأب يُراد منه الأبوين ، قلنا أوليس للأب الولاية على الأبناء ؟ لماذا لم تُفسر كلمة أب أنها للأبوين إذاً في موضوع الولاية واختصت بالأب ؟؟
الخلاصة مجتمعنا بحاجة لإعادة التقدير والاحترام والمكانة والدور التربوي والتهذيبي للأب في الأسرة
وذلك عن طريق نشر هذه الثقافة التربوية في أوساط الشباب والرجال وترسيخ مفهموم بر الوالدين بدلاً من تقليد عيد الأم واهتمام الآباء بالإرشاد والتهذيب والصداقة والتواصل مع الأبناء وعدم الإنشغال فقط بالنفقة وتوفير الأمور المادية .

ولنا في قصص الأنبياء وسيرة النبي ودوره في شخصية فاطمة عليها السلام والائمة ودورهم ووصاياهم للآباء ، وسيرة العلماء خير دليل على ذلك.

وقت لديه لذلك ، قلنا أوليس الأم أيضاً كذلك وتعمل داخل وخارج المنزل أحيانا ؟

إن التربية والجلسة التربوية مع الأبناء وإرشادهم لأمور دينهم ودنياهم وتعليمهم وتهذيبهم واجب مقدس على الآباء والأمهات بشكل مشترك تماماً ، بل هو أساس برهما ( كما جاء في الحديث رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما )

وإن قلتم أن مصطلح الأب يُراد منه الأبوين ، قلنا أوليس للأب الولاية على الأبناء ؟ لماذا لم تُفسر كلمة أب أنها للأبوين إذاً في موضوع الولاية واختصت بالأب ؟؟
الخلاصة مجتمعنا بحاجة لإعادة التقدير والاحترام والمكانة والدور التربوي والتهذيبي للأب في الأسرة
وذلك عن طريق نشر هذه الثقافة التربوية في أوساط الشباب والرجال وترسيخ مفهموم بر الوالدين بدلاً من تقليد عيد الأم واهتمام الآباء بالإرشاد والتهذيب والصداقة والتواصل مع الأبناء وعدم الإنشغال فقط بالنفقة وتوفير الأمور المادية .

ولنا في قصص الأنبياء وسيرة النبي ودوره في شخصية فاطمة عليها السلام والائمة ودورهم ووصاياهم للآباء ، وسيرة العلماء خير دليل على ذلك.

أم سيد صادق