قد نكرّر هذه العبارة كثيرًا في حياتنا اليوميّة غير ملتفتين بأنّها لا تنسجم مع روح التوحيد الحقيقيّ .
العبارة تُعطي إيحاءً بأنّنا نعمل ونفعل وإذا وصلنا لطريق مسدود يأتي دور الله عزّ جلّ، وكأن دور الله هو أن يُكمل ما بدأناه ! أو حسب اصطلاح الفلسفة أنّ الله عزّ وجلّ علّة ناقصة !
والصحيح أنّ الله سبحانه هو العلّة التامّة لكل ظواهر الوجود، ودوره ليس تكميليّ، بل كل شيء قائم به ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )، والإنسان كظاهرة من ظواهر هذا الوجود قائم به، وجوده منه وكل حيثيات وجوده منه كذلك سبحانه، ومانحن في قبال الغنيّ المطلق إلا فقر محض ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
فنحن وكل ما نملك وكل ما يظهر منّا من فعل منه وبه وإليه عزّ وجلّ (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ )، وإنّنا لا نملك لأنفسنا شيئًا على الإطلاق.
فلا تغترّ أيها الإنسان وتتوهم في نفسك أنّك قادر على فعل شيء بمعزل عن خالقك ومدبّر أمرك، فأنت غير قادر حتى على أن تطرف عينك – هذه الحركة السهلة السريعة التي لا تتجاوز أجزاء من الثانية – بدون أن يمدّك الله عزّ وجلّ بالقدرة على ذلك، فلا تظنّنّ الاستقلال في نفسك عن الله عزّ وجلّ فيختلّ توحيدك فتكون من المشمولين بقوله ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُون)، ولا تعتقد أن الإرادة والاختيار اللذان تتمتعُ بهما يخولناك أن تجد في نفسك ذلك، فهذه الإرادة من الله سبحانه، هو الذي يوجدها فيك ويمنحك إياها ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .
وما أجمل ما نطقت به فلسفة الحكمة المتعالية من أن حقيقة الإنسان أنّه ( عين الربط والتعلّق ) بخالقه جلّ وعلا ، فلا تغفل عن حقيقتك فتهلك .
ليلى علي حسين
موسم محرم ١٤٤٦هـ